الشاعر طارق الكرمي لـ الزمان
اللحظة تأتي مدججة بمكرِها وتُملي فروض كتابة لا أتوقعها
حاوره عبدالحق بن رحمون
قال الشاعر الفلسطيني طارق الكرمي لـ الزمان في حديثه عن حكاياته مع القصيدة أن التخييل أوسعُ من الخيالِ، ومع ذلك فهو لا يمكن له أن يكتب عن الجوعِ برفاهيةِ الكافيارِ، أو أن يلحظَ طائراً يترنّحُ مُصاباً بأنفلونزا الطيورِ، ويصنعُ منهُ طائراً عبقريّاً غير واقعي، كما يوضح صاحب مساءات للمقامرة والفحم الأبيض ممكن أن أحرفهُ عن المسار ويصير السيمرغ أو يصير هو الحرَّ في قفصي الصدري. .وقال من جهة أخرى أنه يكتب قصيدته بناءً على المُشاهدةِ الحثيثةِ والتدقيق في الأشياء والحياةُ، لأن في ذلك حسب رأيه مادةٌ خامٌ وثريّةٌ جداً، مؤكدا أنه في هذه الحالة لابد من الخروج من نطاق العادي في تناول الموضوعات الشعريةِ، وقال أؤمنُ بالنصِّ الذي يكونُ نافذاً تماماً وفيهِ تَصادٍ كبير في مستوياتهِ وخطابيتهِ. .
ومن جهة أخرى يعتبر الشاعر طارق الكرمي أن اللحظة هي الشيطانُ في الشعرِ، مضيفًا يجب أن تتصلُ نقطتُكَ الداخليةِ بخيطٍ واهٍ، قد لا تراهُ مع نقظةٍ موجودةٍ في الطبيعةِ. وبذلك فالصدق هو مشروع تجربة طارق الكرمي في الكتابة والحياة، حيث لايفكر ألبتة إلا بنقل حقيقيٍ للحياةِ وجمالياتها، كما يعقد مع العالمِ ألفةً جماليةً لكي يصبحُ لنصه مصداقيةٌ.
وفي ما يلي الحوار الذي أجريناه معه، يكشف فيه خبايا وأسرار تجربته الشعرية
ما حكايتك مع القصيدة… وهل لك أن تروي لنا كيف تكتبها والمراحل التي تمر منها ؟
ــ بدايةً أنا أشكرك عزيزي وصديقي عبد الحق بن رحمون على هذا اللقاء..الذي أتشرفُ به.
حكايتي مع القصيدة هي ليست شرطاً أن تكون الحكايةَ. القصيدةُ هي الحياةُ المستمِرّةُ في وجهةِ نظري.. وهي المشهد الظِلّي للحياةِ والواقعيةِ والقصيدةُ مشروع يبقيني على قيد الحياةِ التي أرجوها دائماً وأتصوّرها وأقترحها حتى على الورقِ.
حكايتي بسيطةٌ مع القصيدةِ، أو دعني أُسَمِّها النصّ. فهي طريقتي بالتفكير بالأشياء وتناول وفهم المادة. وطريقتي في التعامل مع الحياةِ الكُليّةِ دائماً وأبداً..أفكر وأقيس ماحولي وأتصرف من خلال النص..ثمَّ أدع النص بتصرفٍ كاملٍ مع حياتي»الحياةِ..هذا هو الأمرُ ببساطةٍ أرجو أن تعتبرها رداً على القصيدةِ الحكايه..ثمَّ أنا في حكايةٍ دائماً يضحك .
النّصُ هو امتلاءٌ عظيم..لا يُكتبُ نصٌّ في أرباعِ امتلائهِ ولا يوجد نصٌّ حقيقيٌّ أو لا يمكننا أن نسمي النصَّ حقيقياً إذا لمْ نشعر أنهُ غير ناضج..أو مُستعجَلٌ في كتابتهِ..هذا سنلمسُهُ في النصِّ ويعطينا إشاراتٍ على عدمِ نضجهِ.
أكتبُ قصيدتي بناءً على المُشاهدةِ الحثيثةِ والتدقيق في الأشياء..الأشياءُ والحياةُ والمشاهدُ هي مادةٌ خامٌ عظيمةٌ وثريّةٌ جداً..أوقعُ حواسي أو تقعُ حواسي على الأشياء.. من هنا تبدأ شرارةُ النّصِّ..ولكن هذه هي البدايةُ ليس إلا..كلّ ماهو موجودٌ في الطبيعةِ وفي دواخلنا هو مادةٌ خامٌ تصلحُ للكتابةِ الفعليةِ..علبةُ الثقابِ هي مادةٌ فعليةٌ نستطيعُ أن نتصورَ في النصِّ نار المجوسِ لحظةَ اشتعال عود الثقاب أو نفعلُ شعرياً نارَ المجوسِ في وهجِ عودِ الثِّقابِ هذا..بيتُ النّملِ هو مادةٌ خامٌ وواسعةٌ للكتابةِ..واسعة ٌ بقدر ضيقِ بيتِ النّملِ..بيتُ النّملِ هو العالمُ في لحظةٍ بالنسبةِ إليَّ..عموماً ما أريدُ أن أدّعيهِ بأنَّ أيَّ شيءٍ يمكن أن تقع عليهِ حواسكَ هو صالحٌ تماماً ومتاحٌ للكتابةِ..وهنا ينفتحُ ملعبُ العالمُ أمامَكَ في الكتابة. والمراحل في كتابةِ النصِّ تأتي أولاً كما قلتُ في البدايةِ من إيقاع أو ملامسة الحواسِ للمادةِ المُتاحةِ لي..من مشاهد أو رائحةٍ أو مشهدٍ أو صوتٍ..إلخ..ثمَّ التفكيرُ بهذه المادةِ فعلياً..تظلُّ أنتَ مأخوذاً بما رأيتَ أو لمستَ أو شاهدتَ..ثمَّ يأتي دورُ النّحلةِ المأزومةِ بالأشياء..تظلُّ النّحلةُ تطِنُّ داخلكَ..تكتبُ النّصَّ بتمعُنٍ كبير..وبدأبٍ شديدٍ..وعند كتابةِ النصِّ أنتَ ترى ما لاتراهُ أو تأتيكَ الرؤى حقيقةً..تركِّبُ المشهدَ..أو تبني مشهداً على مشهدٍ..النصُّ يدخلُ أو يُدخِلْكَ في لعبةِ الظلالِ واللغةِ والحواسِ..والنصُّ يكتملُ بذاتهِ.
طائر يترنّحُ
ما موقع الخيال والصدق في تجربتك؟
ــ الخيالُ ضروريٌّ للشاعرِ..ولكن هنا أنا أختلفُ بمنطلقاتي الكتابيةِ بينَ الخيالِ والتخييلِ..الخيالُ شيءٌ والتخييلُ شيءٌ آخرُ ..التخييلُ هو أوسعُ من الخيالِ..والتخييلُ يحتوي الخيال ويفتحُ لكَ ملعباً أوسعَ لكَ أن لا تنتهي منهُ..أو هو يُنهيكَ..الخيالُ هو أن تتخيلَ كباقي الناسِ..أما التخييلُ فهو الفعل التصوريُّ والتصويرُ الملموسُ الذي ستحوّلُهُ إلى نصٍّ..أيُّ إنسانٍ يستطيعُ أن يدخلُ في الخيالِ ولكن الشاعر يتعدّى هذه المرحلةِ ويدخل في التخييلِ..ويدخلُ المشهد ويعبثُ بهِ ويركبُّ إجراءهُ ويخرِّبُ فيهِ بجمالياتٍ باذخه.
أنا صادقٌ مع مشروعي..لا أخذلُ نصي..ولا أفكرُ إلا بنقلٍ حقيقيٍ للحياةِ وجمالياتها..أن نعقدَ مع العالمِ ألفةً جماليةً أبداً..من هنا عندما يخلصُ الكاتبُ لنصِّهِ سيصبحُ لدى الكاتبِ مصداقية مع النصِّ..وتبدأُ العمليةُ من احترام الكاتبِ لذاتهِ ولنصهِ..الأدبُ الكاذبُ هو ليسَ حقيقياً..والنصُّ الغيرُ حقيقيٍ هو كاذبٌ..وأنا لا أتفقُ على أنَّ أعذبَ الشعر أكذبهُ..لا يمكن لي أن أكتب عن الجوعِ برفاهيةِ الكافيارِ..أو أن ألحظَ طائراً يترنّحُ مُصاباً بأنفلونزا الطيورِ وأصنعُ منهُ طائراً عبقريّاً غير واقعي..ممكن أن أحرفهُ عن المسار ويصير السيمرغ أو يصير هو الحرَّ في قفصي الصدري.
البؤرية وتركيز المادةِ الخامِ
ماهي المراحل التي تمر منها قصيدتك؟
ــ أجبتكَ عزيزي على مراحل مرور نصي..أو المراحل التي يمر بها النصُّ لديَّ..ولكن دعني أتكلمُ عن تقنية الاشتغال في نصي..أنا أشتغل عبر البؤرية وتركيز المادةِ الخامِ في الكتابةِ ثمَّ ضربها باللغةِ المحسوسةِ..فمن الممكن أن ترى النص لديَّ يلعبُ في المنطقةِ هذه..ومرةً أخرى تراهُ يُراوحُ بينَ التشتيت للأشياء..أنا أؤمن بقضيةِ إعادة التسمياتِ في النص..بمعنى أن أتناول شيئاً محدداً وأشتغلُ عليهِ..أشتتهُ وأعيدُ تسميتهُ واكتشافاتهِ من خلالِ تقنيةِ النصِّ..أذهبُ مباشرةً إلى المادةِ وأدخلُ فيها النصَّ ولكن أقيمُ ألاعيبي هنالك داخلَ دائرةِ النصِّ بكلِّ وعيٍّ ملموسٍ..ولا أخفيكَ أنني أحاولُ أن أشتغل على موضوعة التجريد مروراً باللعبِ في المنطقةِ الملموسةِ والتراسلِ الحِسِيِّ في الكتابةِ والواعيةِ..ولكن التجريد صعبٌ للغايةِ فكلهُ اختزالات وتحتاجُ إلى مُتلقٍ من نوعٍ خاص..وأحاولُ أن أشتغل على فكرةِ النصِّ جيداً..أن يكونَ النصُّ معتمداً على فكرتهِ القائمةِ في التصرُّفِ ومع عدم الابتعادِ عن مستوياتِ تطوير اللغةِ النصّيةِ الخاصةِ بي..وعدم إهمال أَنْسَنَةِ الأشياء في النصِّ..أو تناولها.
التجريب
هل بمستطاعك أن تكتب قصيدة كل يوم؟
ــ صديقي العزيز عبدالحق بن رحمون أنا أعتبر موضوعة الشعر هو مشروعُ حياتي..أتصرف وأضحك وأتكلم وأنزوي وأخرج من بيتي وأفتحُ نافذتي وأصغي إلى موسيقى الطّيرِ أو كسلِ الفتياتِ وأتناولُ قدحي وخبزي بطريقةٍ شعريةٍ أولاً..هناكَ مقولةٌ مفادُها أنَّ الانسانَ هو مخلوقٌ شاعِريٌّ بطبعهِ ويعيشُ حياةً شاعريّةً..وأنا هذه المسألة أشعرُها مضاعفةً لديَّ..أنا أنتبهُ إلى كلِّ مايدورُ حولي ..أكتبُ كلَّ يومٍ ما يقاربُ من ثلاثة أو ثمانية أو تسعة نصوصٍ وأحياناً أكثر..أذكرُ في أيامٍ سابقة أنني كنتُ أكتبُ ما يقاربُ العشرينَ نصّاً..ولديَّ تَجرِبةٌ في هذا المجالِ خارج إطارِ مجايلي من الشعراءِ في فلسطين..فقد قمتُ بكتابةِ النصِّ المُتسلسلِ وهذا يحتاجُ إلى جَهدٍ كبيرٍ ونضوجِ وتجربةٍ عاليةٍ حسبَ رأيي البسيطِ..قمتُ بالاشتغال على النص المتسلسلِ والمنقطعِ..بمعنى أنني مثلاً أتناولُ الوردةَ وأقومُ بكتابةِ أربع أو سبع نصوص فيها متسلسلةٍ ومنفصلةٍ..كلُّ نص يتكلمُ أو يتناول الوردةَ بطريقتهِ المتصلةِ المنفصلةِ..هذا ما حاولتُ أن أقومَ بهِ عن طريقِ التجريبِ في النص الشعري..وهذه النصوص المتسلسلةُ تكتبُ على نفَسٍ واحدٍ غير منقطعٍ..تأخذُ نفسَ الروحِ مع عدم التكرارِ في مسألةِ تناولِ الوردةِ أي كلُّ نصٍّ يتصلُ بالآخر بطريقةٍ منفصلةٍ ومتسلسلةٍ..ولديَّ عملٌ كاملٌ في هذا المجالِ وأعتقدُ أنهُ العملُ الأول الناضجُ في مسألة التسلسلِ الكتابي في النصِّ..ومن الأمثلةِ على هذا أيضاً أنني كتبتُ نصاً ثُلاثياً في الحصان الخشبي الذي أحضرهُ أبي لي وأنا صغير..النصُّ قد تعتبرهُ في مراحل ثلاث..وقد تعتبرهُ ثلاثة نصوص تتكلمُ أو تتناول الحصان وكلُّ نصٍّ من زاويةٍ معينةٍ..وقد تعتبرُ أن النصَّ يأخذُ مراحل ثلاثاً متتابعةٍ في مشاهدها..هذا ما حاولتُ أن أفعلهُ..وفعلتهُ وقد أكونُ قد نجحتُ..لا أدري فقد بذلتُ جَهدي..ولكن أحترمُ التجريب والجرأةَ في الكتابةِ..وإجابتي على سؤالك هو أنني في الأيام العاديةِ أكتبُ في الأقل ثلاثة نصوص..وأؤمنُ بالنصِّ الذي يخترقُ اللغةَ والمكان ويتعدى أبعد من ذلك، وأؤمنُ بالنصِّ الذي يكونُ نافذاً تماماً وفيهِ تَصادٍ كبير في مستوياتهِ وخطابيتهِ..وأنتَ تعرفُ أنَّ الخطابةَ في النصِّ الشعري لا تعني الخطابةَ، بل هي بدء الذات، وتعريتها وانطلاقِ تاريخها في النصِّ، وكيفَ تتحركُ وكيفَ تكونُ، وكيفَ تلتبِسُ وكيفَ تندغمُ بذاتها والأشياء من حولها.
دائرةُ الندمِ المؤجلة
هل سبق لك أن ندمت على قصيدة لم تكتبها بعد أو كتبتها في وقت مضى؟
ــ لا أعتقد أنني ندمتُ على قصيدةٍ لم أكتبها، ولكن سوفَ أندم على قصيدةٍ لا أستطيعُ كتابتها أو على أنني قد أغادر العالم ولم ألحق بقصيدةٍ أو لم أقل كلَّ ما لديَّ ولمْ أفرِغْ مافي جُعبتي..هذا ما يبقيني في دائرةِ الندمِ المؤجلةِ..ولكنني الآن لا أندم..أعتبرُ نفسي أعيشُ بطريقةٍ لا بأس بها..أتابعُ ذاتي والأشياء والحركةَ الكليّةَ في العالمِ وأكتبُ ما أستطيعُ..فلي قدرتي ولي مِساحتي في الكتابةِ أيضاً..ومن الممكن أن أندم على مواقفَ مررتُ بها في التجربةِ الشعريةِ أو مواقفَ كنتُ مخطئاً بها..لا أدري..وهناكَ شيءٌ مهمٌ بالنسبةِ إليَّ هو أنني أندمُ قليلاً لأنني لمَ أرضَ عن نفسي في الكتابةِ إلى أبعدِ حدٍّ..أنا أطمعُ وأطمحُ لأن أكونَ أكبر من هذا ومع الناس البسطاءِ..ولكن الندم الأكبر مؤجلٌ كما سبقَ لي أنْ أشرتُ.
السهل الممتنع
هل فعلا كل قصيدة كتبتها توازي خصلة شعر بيضاء في رأسك؟
ــ يضحك أولاً ليسَ لديَّ شعرٌ أبيضُ..أنتَ ماكرٌ قليلاً في سؤالكَ..أعتبرُ سؤالكَ يؤول إلى ما سيأتي بي العمرُ..نعم..وهي تساوي أكثر من خصلةِ شعرٍ بيضاءَ لديَّ على اعتبارِ ماسيكونُ..المسألةُ لا تُقاسُ بالنسبةِ إليَّ هكذا..النصُّ هو العالمُ..أنتَ ترتبُّ العالمَ في النصِّ وتجعلهُ أجملَ..وتجعلُهُ نوعاً ما عالماً مثالياً من خلالِ نظرتكَ إلى العالم الآني الانتزاعي..نعم فالقصيدةُ تساوي هذا العالم..وأيضاً خصلة شعرٍ بيضاءَ في رأسي.. يضحك ..أعتقدُ حينَ تدخلُ في كتابةِ النصِّ فإنك تنسى كلُّ مايدورُ..تركزُ بالنصِّ حثيثاً..النصُّ يُصبحُ لديكَ الملعبَ والمشهدَ الذي ينتظرُ أن تعبثَ بهِ وتكون مسؤولاً مسؤوليةً كاملةً عن الكتابةِ وعن ما سيخرجُ بهِ النصُّ من جمالياتٍ..عليكَ أن تبذلَ جَهدَكَ لبلوغِ نصٍّ فنيٍّ صعبٍ وبسيطٍ.. إذاً المسألةُ واضحةٌ..النصُّ هو الحياةُ…ويساوي الحياةَ..فكلُّ نصٍّ ليسَ بهِ حياة هو من وجهةِ نظري يُرمى بالمزبلة.
تلّة ٌمن فراغٍ
دائما أنت تخاف من أن تخذلك يوما الكتابة وتجف قريحتك، لذا تبدو مثل تلميذ مواظب على الحضور، وخوفك من هذا المجهول هل يوازيه خوفك من تساقط شعرك وإصابتك بالصلع؟
ــ أنتَ خفيفُ الدمِ..وظِلُكَ هو خفيفٌ أيضاً..أنا لا أخافُ الصّلعَ على الإطلاق.. حتى وان أصبحت رأسي عاريةً تماماً وصحراءَ قاحلةً فلن أرتدي البارووكِ.. يضحك نعم أخافُ من عدم الكتابةِ التي ستؤدي بي إلى العدميّةِ فعلاً..لذا أنا تلميذُ مواظبٌ تماماً..وكما قلتُ لكَ أؤمنُ بالشاعرِ صاحبِ الجهدِ في الكتابةِ..ومن وجهةِ نظري اسمح لي..هناكَ فطرةٌ ويجب أن تكون هنالكَ فطرةٌ لدى الشاعر..ولكن ما نسبةُ ونسبيةُ هذي الفطرة؟ هنا السؤال..وأجيبُ على أنها 30 أو تقلُ قليلاً أو تزيدُ قليلاً ولكن يبقى هنالك جهدُ الشاعر..واشتغالهِ على ذاتهِ ونصِّهِ بشكلٍ فنيٍّ خالصٍ..نعم سأبقى تلميذا مواظباً على النصِ والحضورِ والتطوير في مستوياتِ نصي.
إذا لم يواظب الشاعر أو الكاتبُ على نصهِ فإنهُ يقعُ فريسةً لنفسهِ وللرتابةِ الفعليةِ..سوفَ يكونُ مُصمتاً حقاً..سوفَ يقولُ كلَّ ما لديهِ ويجلسُ بعدها على تلّةٍ من فراغٍ..وماذا سيفعلُ بعدها؟ سوفَ يظلُّ يعيدُ نفسهُ بطريقةٍ مُجترّةٍ فعلياً..هنا النصُّ يجب أن يكونُ نشاط الشعر..أو الكتابة وهذا يجعلكَ في نشاطٍ دائمٍ ويجعلُ النصَّ في مداراتهِ لا يهدأُ..فلذلك يجبُ عليَّ أنا شخصياً أن أكونَ التلميذَ المواظبَ دوماً وأبداً..يجب عليَّ أيضاً أن أتصلَ باللغةِ يومياً وبشكلٍ متواصلٍ غيرِ منقطع..اللغةُ في تغيرٍ دائمٍ وثابتٍ أحياناً..وكلَّما واظبتَ وكنتَ مجتهداً سوفَ ترتقي بنفسكَ وبنصِّكِ تماماً..وإذا لمْ أخذل نفسي لنْ تخذلني الكتابةُ والعكسُ صحيح..وأواظبُ أن أقومَ بتوظيفِ الأشياءِ الغير شعرية بطريقةٍ شعريةٍ..أحاولُ ذلك..الفنُّ قد يقتلُ الفنَّ أحياناً..يجب علينا الخروج من نطاق العادي في تناول الموضوعات الشعريةِ فقط..قد توظف سلك الكهرباء وتجعل منهُ وتر جيتارةٍ..أو حذاءَ طفلٍ وتجعل منهُ قارباً جميلاً..هنا أعطيتُ إشارةً بأنَّ هذا من ضمنِ مواظبتي على النصِّ والرؤيةِ للمادةِ والاغتراف منها..والنصُّ أو الكتابةُ يحتملُ كلَّ ما لا يُحتملُ عندَ الفنونِ الأخرى..هذا من وجهةِ نظري.
اللحظةُ هي الشيطانُ في الشعرِ
هناك من يوسوس له الشعر كل لحظة بمكر، ويكتب بشراهة، أو بتقتير كأنه يتنفس الهواء من منخر واحد. قد ينشر أو لاينشر ماكتبه، بالنسبة إليك أي طريق ستوصلك إلى نار الشعر المصفى؟
ــ في سؤالك هذا تعيدني إلى عزيف الجنِّ إلى الوساوسِ والهلاوسِ يا صديقي..وأتذكرُ وادي عبقر..والشعراء الذين نشروا خرافاتهِ إلى حدِّ الأسطرةِ فعلاً عن وسواسِ الشِّعرِ..والمسألةُ بالنسبةِ إليَّ هي ليست وساوس ولا جن ولا شياطين اللحظةِ كما كانَ مُتصوّراً في السّابقِ..ولكن اللحظةُ نفسها هي المهمةُ بالنسبةِ إليَّ لحظة الكتابةِ، هي بحدِّ ذاتها في تصادي كبير لأصوات لمْ تسمعها من قبل، وروائحَ لم تتنشقها من قبل..ومشاهد أشبه ماتكونُ بالغشاوةِ..أنا ماركسيٌّ بطبيعتي،أؤمنُ بالمادةِ مُنطلقاً للبحثِ والتفكيرِ والإبداع..اللحظةُ هي الشيطانُ في الشعرِ..يجب أن تتصلُ نقطتُكَ الداخليةِ بخيطٍ واهٍ قد لا تراهُ مع نقظةٍ موجودةٍ في الطبيعةِ..هذا سيخلقُ اللحظةَ وستدخلها في الكتابةِ الفعليةِ الجادةِ..اللحظةُ هي تأتي مدججةً بمكرِها فعلاً ومدججةً بلحظتها الأبدِ..إذ تُملي عليكَ اللحظةَ في الكتابةِ ما لم تتوقعهُ..وهي ترميكَ في عوالم لم تكن لتبلغها أو لتبغلكَ..وهل هناكَ ماهو أمكرُ من الشعرِ في لحظتهِ وسطوتهِ..مكرهٌ في سطوتهِ يا صديقي الجميل..وماهو جمالُ المرأة إلا في سطوتها.هل كنتَ ستشعرُ بدهشةِ هذي المرأةِ لولا سطوتها؟
هذا هو الشعرُ وهذي هي لحظته..مكرٌ وسطوةٌ ووساوسُ قد لا تنتهي حتى بعد أن تذهب اللحظةَ..وقد تستمرُ السطوةُ والمكر إلى مدىً بعيد جداً..حتى مابعد النصِّ والانتهاءِ منهُ..هنا أريدُ أن أشير إلى أنني أحبُّ النصَّ التأملي أو مأسورٌ بالنصِّ الذي تتأمّلُ فيهِ المشهدَ..الذي يرميني إلى ما بعد النصِّ ويتركني وحدي هناكَ لا أعرف أن أعود..أو أتشوشُ في العودةِ من تلك المناطقِ التي يرميني بها النص ويتركني في قرارتها متخبطاً.
ومايوصلني إلى نار الشعر المُصفى هي المعرفة..أنا أعرفُ لكي أظلَّ أتذوقَ في الحياةِ والعالمِ..لأستحوذَ على مفاتيح المعرفةِ محاولاً ذلك..لا أأبه بأن يُنشرَ أو لا ينشرَ..عندما أكتبُ نصّاً أو أكونُ في دائرةِ الكتابةِ لا يهمّني إذا كان النصُّ سيُنشرُ أو لا..أنا أحياناً أكتبُ للمتعةِ العاليةِ..النصُّ هو مُتعتي البليغةُ التي لا تنتهي أحياناً..أنا أستمتعُ بالكتابةِ التي تُعاندني..أيُّ كتابةٍ حقيقيةٍ هي معاندةٌ قد تدفعكَ من صدركَ إلى الخلفِ..ومايقودني إلى نار الشعرِ هي نارُ الشعرِ نفسها..هي لاتنطفي..لاتخفتُ..وتقودكَ أيضاً كالضّريرِ وأنتَ تحملُ هذي النار.. وتصعدُ جبلَ الشعرِ..هناكَ مسؤوليةٌ كبيرةٌ..أخافُ من كلمةِ شاعر..أو أن يُطلقَ عليَّ اسمُ شاعرٍ، لأنَّ هذي مرعبة ٌ ومخيفةٌ بالنسبةِ إليَّ لأنني أمامَ مسؤوليةٍ كبيرةٍ في الكتابةِ الحقيقيةِ. وأحبُّ أن أحترقَ بهذي النارِ..هي بردي وسلامي أيضاً..وهي الهولوكوست الجميل..وللعلمِ أنَّ كلمةِ هولوكوست هي إغريقيةٌ وتعني من ضمن مفرداتها النارُ العظيمةُ والمحرقةُ..إذاً أنا أحبُّ أن أدخلَ هذي النارَ وإن لمْ يكن لي فيها برد وسلام..أنتَ تعرف أنَّ النارَ طهورٌ ومتطهرَةٌ..فلأتطهرَ أبداً بهذي الشعلةِ..بهذي النارِ للشعر..وأعتقد أنني أكتبُ بشراهةٍ من خلالِ أنني أكتبُ يومياً بطريقةٍ مُستمرّةٍ ومتواصله.
لستُ بحاجةٍ إلى الوصايةِ
هل أنت مقتنع تماما بوجود ضرورة أن يمارس عليك أحد ما وصاية على ما تكتبه، ويحاسبك على أخطائك ويتغاضى على صوابك؟
ــ لا أخفيكَ أنني كنتُ في السابقِ مقتنعا أن تُمارس عليَّ الوِصاية..أو أنَّ أحداً يمارسُها عليَّ..أنتَ تعرفُ البداياتُ في تخبط كبير جداً، وتحتاجُ لأن تكونَ في طريقٍ سالمةٍ..من منطلقِ الأبوّةِ الشعريةِ أو من منطلقِ أن أتعلمَ..أن أكونَ مُتطامناً لما أفعلهُ في النصِّ..هذا ليس عيباً على الإطلاقِ..كلُّ واحدٍ دخل هذه المرحلةَ..وكاذبٌ من يدعي غير ذلك..ولكن بعد مرحلةٍ وبعد تقدمكَ وانتهاءِ الريشِ الحرامِ بصعوبةٍ قد تتحسسُ قوادمكَ والريشَ الجديد لتطير بالنصِّ.
الآن أنا لستُ بحاجةٍ إلى تلك الوصايةِ..أعرفُ دوري وأعرفُ منطلقي وما أقومُ بهِ..أمارسُ النقد على نفسي…ولو كانَ نقداً بسيطاً.
صديقي لا أحد يُحاسب أحداً في موضوعة الشعر،هناك من يقرأُ لكَ، وهناكَ من يُحبُّ نصَّكَ وهناكَ من لا يُعجبُهُ نصُّكَ أو طريقتكَ في النصِّ،هذا عاديٌّ جداً، وصحيٌّ أيضاً،وقد يحبُّ لكَ نصاً ولا يحبُّ لكَ آخر..هذا موضوعٌ من وجهةِ نظري فيها نسبية كبيرةٌ..ولكن أريدُ أن أقول بأنني في هذي المرحلةِ أنا وحدي مع وحدي أكتبُ..أنا أمارسُ الوصايةَ على نفسي..لقد تعدى بي الزمنُ قليلاً..وقد كتبتُ وجرّبتُ ولم أنتهِ من هذا..ولكن قطعتُ مرحلةً لا بأس بها..إذاً لِمَ أنا بحاجة لأحد أن يمارس الوصايةَ عليَّ..وأينَ ذهبتُ أنا؟؟ أنا من يمارسُ الآن الوصايةَ على نفسهِ وبكل صراحةٍ وصدقٍ..وأعتقدُ أنني بلغتُ سنَّ الرشدِ في الشعر.. يضحك .. لقد كتبتُ إلى الآن ما يقربُ الألفَ نصٍّ أو يزيدُ..وأنا مستمرٌّ في الكتابةِ ولن أتوقفَ إلا حينَ أغادرُ الحياةَ..راضياً أو نصف راضٍ عن نفسهِ بعض الشيءِ..إذاً وصايتي على نفسي هي من تلقاءِ نفسي.
ملهاةٌ مأساويّةٌ
شهد العالم العربي تغييرا في أنظمته، هل تنتظر مثل هذا التغيير والثورات في الثقافة والإبداع، وهل سيطول موعد تحقيق ذلك؟
ــ صديقي ماحدثَ ويحدثُ في العالمِ العربيِّ من وجهةِ نظري واستقرائي هو ليس بتغيير..مع احترامي ودعني أتحدث هنا بكل وضوح..أنا أعتبرُ ما حدثَ في العالم العربي ويحدث من ثورات وما يُسمى ربيع عربي لهو ملهاةٌ مأساويّةٌ..إنها عبارةٌ عن فقاعاتٍ..أنا لستُ مع الأنظمةِ ولكني مع الناسِ المسحوقةِ ومع الثوراتِ التي تتجلّى بنواحٍ عدّةٍ..والثورةُ الحقُّ هي التي تعتني بنقائها عبر التغيير والنظر إلى استراتيجية واقعية تتحقق مابعد الثورةِ. أنظر كيف كان هؤلاءِ يُسقِطونَ النظامَ في تونس ومصر وليبيا أرضاً دون النظر إلى حساباتٍ أخرى خطيرةٍ قادمةٍ..ماذا فعلوا هم بعد إسقاط النظام؟ لاشيء..كانَ نظرهم قصيراً جداً..فقط هو أن يسقط النظام فقط..إذاً باعتقادي الثورةُ تنتهي فقط بإسقاط النظام..ومع العلم من أسقط النظام هم أبناءُ الحراك الشعبي الذين لا يتفقون مع وجهة نظر الأحزاب الدينيةِ..فكيف وصل الدينيونَ إلى السلطةِ الآن في معظمِ الأقطارِ..هذا غباء وهذي معادلة فيها التباسٌ كبيرٌ جداً..ثمَّ أينَ هم الآن أصحابُ الحراكِ الشّعبيِّ..هلْ انشغلوا بمواقعِ التواصلِ الإجتماعيِّ على الشكبةِ العنكبوتيّةِ وهلْ أنهوا مَهمتهم؟؟ ماذا سيكون وجهُ الثورةِ بعد إسقاط النظام؟هذه أسئلةٌ محيرةٌ فعلاً..سيدي الثورةُ من خلال نظرتنا إلى العالمِ تتجلي في الكثير من مدخولاتها وصخبها..ليست ثورة خبز فقط.إنما هي تحملُ ثوراتٍ واسعةً مثل الثورة الاقتصادية والثورة الاجتماعيةِ والثورةِ الفكريةِ وهلمَّ جرا..الثورةُ الحقيقة هي التغيير الذري من الداخل وفي جميع الاتجاهات..وبعدها ينتج لديكَ عقل جَمعِيٌّ ومجتمع ذات وعي حقيقي وفكر وثقافة ناضجةٌ..أعتقد اننا لم ولن نقدم شيئاً في هذه الثورات العربية الراهنةِ ولن يكونَ لها أفقٌ مستقبليٌ واضح..الواضحُ هو أننا في خضمِ فقاعاتٍ كبيرةٍ..كومونة باريس أنتجت إنقلابةً في كل مناحي الحياةِ..هي قامت للتغيير..لم تقم فقط لإسقاطِ النظامِ وحسب..بل تعدت ذلك..بعد الثورةِ الكومونةِ نتجت في فرنسا مدارسُ كثيرةٌ في الأدبِ والفكر الثقافةِ..الفكرُ والثقافةُ والأدب والفن بشكل عام يحتاجُ إلى دواعم تسيرُ معهُ وتدعمهُ ويدعمها..فالدادائية والتكعيبيةُ ومدارسُ النقد في الأدب والموسيقى كلّها تقدمت وغيرت في أساليبيها ومنطقها حينَ تغيرت بفعل الثورةِ الحقيقيةِ..للأسف كلُّ همِّ الحراك لدينا كان فقط هو إسقاط النظام ولا يتعدى هذا..فعن أيِّ ثورةٍ أو ربيعٍ عربيٍّ نتحدثُ..الأمرُ واضحٌ وجليٌّ وهنالك كولونياليات جديدة سوفَ تكونُ هنا..نحنُ لا نملكُ مُقدّراتِنا..فكيفَ سنُحدثُ ثورةً نملكُ فيها مستقبلاً حقيقياً؟ فسيطول ياصديقي سيطول مشوارنا في تحقيق ثورةٍ نهضويةٍ حقيقية ونحنُ بحاجةٍ وقلتها في السّابقِ إلى 11 سبتمر أدبي ليفعل انقلابةً عظيمةً ملموسة.
هل من الضروري أن تكون منتميا إلى مؤسسة ثقافية للأدباء…. هذا من جهة ومن جهة أخرى هناك من يرى أن الشاعر قد يضيع عمره كله ولا ينال الاعتراف، بالنسبة لك هل نلت هذا الاعتراف إلى هذه الساعة وماذا أضاف لك؟
ــ إذا كان الأديب الحقيقي بحد ذاتهِ مشروعٌ وافٍ فلما يحتاجُ إلى مؤسسةٍ أو جهةٍ ثقافيةٍ..ولكن هنا أناقضُ نفسي قليلاً..بمعني أنَّ للأديبِ أن يكتفي بذاتهِ وإنْ أفسحَ لهُ المجالَ بأن ينتمي قلا ضيرَ لذلك..نحنُ في تجربتِنا الثقافيةِ لنا اتحاد كتاب فلسطيني منقسمٌ على ذاتهِ..وهناكَ مؤسساتٌ ثقافيةٌ تشتغلُ لحسابِ أجنداتٍ أخرى معروفة وهناك مؤسساتٌ تطبيعيّةٌ مع العدوِّ..ووزارةُ الثقافةِ الفلسطينيةُ تحاولُ أن تفعلَ شيئاً ولكنها عاجزة بعض الشيءِ..هنالك بيت الشعر الفلسطيني الذي كان مؤسسةً واعدةً أسندتني وساندتني ولهُ أفاضلٌ عليَّ كثيرةٌ أيادٍ بيضاءُ..أحببتُ فكرة بيت الشعر الفلسطيني الذي قام بتأسيسهِ عددٌ من الشعراءِ والفنانين التشكيليينَ من أمثالِ الشاعر المتوكل طه والشاعر غسان زقطان والشاعر مراد السوداني الذي يرأسهُ حالياً والشاعر يوسف المحمود والفنان التشكيلي جمال الأفغاني وقد لعبَ دوراً مهماً في إطلاقِ جيلٍ شعريٍّ لا بأس بهِ وقد كنتُ أنا شخصياً مِن ضمنِ هذا الجيلِ..ولكن أيضاً بيت الشعر تمَّ محاصرتُهُ وهو يعاني الآن..والمشكلةُ هنا عزيزي لا تكمنُ بالمؤسسةِ الثقافيةِ فقط..فهناكَ الإعتمادُ على الشخص..رام الله مليئةٌ بالقطاريزِ أشباهِ الأدباءِ بما أنَّ رام الله عاصمةُ الإعلامِ والمكاتبِ والبؤرة التي تتولى مهامَ كثيرة في الحياةِ الفلسطينيةِ العمليةِ..وهناكَ من يُلمّعونَ وهي تحتوي على جنس ثالث من الشعراء أو الذين لا يعرفون شيئاً عن اللغةِ ولا التصرف بالنصِّ ولا إخراج نصٍّ ذات قيمةٍ عاليةٍ ليشكل مشهداً ثقافياً يوازي المشهد المقترح أو المشهد الذي ندّعيهِ..وأنا أتكلمُ هنا بكلٍّ وضوحٍ وجرأة الأديبُ يجبُ أن ينطلقَ من خلالِ ذاتهِ..أنْ يؤمنَ أنَّ مشروعهُ الأدبي والفكري غير قابل للتلفِ أو الانتهاءِ.
هناك الكثيرُ من الشعراءِ المُغيبينَ قصداً أو غصباً وهناكَ الكثيرُ من الشعراءِ الذينَ غيّبوا أنفسَهم نتيجةً لأسبابهم الخاصّةَ..وللأسف يموتُ كثيرٌ من الشعراءِ بدون الاعترافِ بهم وإسهامهم في عجلةِ المشهد الثقافي..هذا يحدثُ باستمرارٍ إلى الآن..وهناك من يأتونَ بهم بقصدٍ ليكونوا مُريدينَ وتُبّعاً وهذا مايحدثُ أيضاً..رام الله تعيشُ هذا المرض الثقافي الأسود..أنا أنأى بنفسي عن مثلِ هذا الرُّخصِ ولا أدخلُ مُعتركاً يحوسهُ أمثالُ هؤلاءِ..ولكن يبقى هناك اختراقاتٌ..لا أحدَ يلغي أحداً على المدى البعيدِ إذا كانَ نصّهُ مُعتدّاً بذاتهِ.
أقولُ لكَ الحقَّ أنني لمْ أنَلِ الاعترافَ بشكلٍ جيدٍ..صحيحٌ أنهُ لي طريقتي بالكتابةِ ولي نصّي ولكنْ هنالك تقصيرٌ بحقي وحق الكثيرينَ أمثالي..وأقولُ نلتُ قليلاً من الاعترافِ يعني بنسبةِ 40 لا أكثر ..الاعترافُ سيأتي لاحقاً، أنا لستُ فَزِعاً من هكذا مسألةٍ..الاعترافُ آتٍ..ولو كان الاعترافُ بنسبةٍ أكبر من هذي أو يفوق الـ 50 لقلتُ لكَ ماذا أضافَ أو سيضيفُ لي.
/9/2012 Issue 4301 – Date 11 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4301 التاريخ 11»9»2012
AZP09